انفلونزا الطيور

لطالما نسمع في حياتنا اليومية كلمة “انفلونزا” والكثير منا عندما يعاني من بعض الاحتقان والسعال يقول: لقد أصابني الرشح أو الانفلونزا على حد تعبيره.

 

ولكن من الناحية العلمية فالسعال والاحتقان ليست عرضاً نوعياً لمرض ما، فالأشخاص الذين يعانون من الحساسية الأنفية والتهاب الجيوب، أو المرضى مضعفو المناعة الذين يعانون من نزلات برد مستمرة، قسم لا بأس به من الجراثيم والحمات الراشحة “الفيروسات”، جميعها تسبب السعال والاحتقان.

 

وبعضنا الآخر لا بد أنه سمع عن انفلونزا الطيور أو انفلونزا الخنازير من وسائل الإعلام المختلفة، لذلك دعونا نتناول فيروسات الانفلونزا بشيء من التفصيل .

 

انفلونزا الطيور

 

معلومات مهمة عن فيروسات الانفلونزا: 

 

فيروسات الانفلونزا هي مجموعة من الفيروسات واسعة الانتشار في الطبيعة، تقسم حسب مادتها الوراثية إلى ثلاثة أنماط: A،B،C

 

النمطان A,C يصيبان الإنسان والحيوان ،فيما ينفرد النمط B بإصابة الإنسان فقط .

 

النمطان A،B هما النمطان المسؤولان عن الأوبئة العالمية التي نسمع عنها كل عام، والتي تتسب بالكثير من حالات الوفاة، والتي قد تصل نسبة الإصابة بهما إلى أكثر من 20 بالمئة من السكان في منطقة معينة.

 

وأما عن النمط C فهو أقل انتشاراً والأعراض الناجمة عنه هي أقل بكثير من النمطين السابقين . وتشير الدراسات إلى أنه في الولايات المتحدة الأمريكية يتهم فيروس الانفلونزا سنوياً بقتل عدد من السكان يقدر ب 3000 إلى 49000 شخص سنوياً، ولكن يوجد على الأقل 200 ألف حالة استشفاء.

 

ظاهرة الانحراف و التبدّل لدى فايروس الانفلونزا

وهنا لا بد لنا من شرح ظاهرتي التبدل “shift”والانحراف “drift” لفهم الفكرة:

كما ذكرنا فإن أساس المشكلة في فيروسات الانفلونزا هو التغيرات التي تطرأ على مادتها الوراثية، وبالتالي استحالة إيجاد لقاح ثابت لها، وتسعى منظمة الصحة العالمية إلى تطوير لقاحات للأنواع الجديدة التي تنشأ كل عام لإضافتها إلى برنامج التلقيح .

 

فظاهرة الانحراف :هي التغيرات الطفيفة التي تطرأ على المادة الوراثية لفيروس الانفلونزا، وتتسبب بحدوث جائحات محدودة والأكثر تأثراً بها هو النمط C.

أما التبدل: فهو التغير الكبير الذي يطرأ على المادة الوراثية للفيروس مؤدياً إلى ظهور ذراري “سلالات” جديدة تختلف عن الأصلية تماما،وبالتالي فإن الجهاز المناعي لم يتعرف عليها مسبقاً،وهذه الظاهرة هي سبب الأوبئة التي تجتاح العالم والأكثر تأثراً بها هما النمطان A و B .

 

والإصابة بأكثر من نوع من الفيروسات هذه في وقت واحد يؤهب احتمالية تبادل قطع من المادة الوراثية وظهور الذرية الجديدة ومن ثم سرايتها.

(مقال متعلّق)  اعراض انفلونزا الطيور

 

وبعد هذه المفدمة التعريفية لا بد لنا أن نسلط الضوء على واحد من أهم الأمراض المتعلقة بالموضوع وهو “انفلونزا الطيور”.

 

لمحة عن مرض انفلونزا الطيور : 

“انفلونزا الطيور” هو نوع من فيروسات الانفلونزا التي نشأت وتطورت واكتسبت قدرتها الإمراضية من الطيور، ومنها وصلت إلى البشر، ولكن تشير الدراسات إلى أن الفيروس قادر أيضاً أن يتطور في جسم الإنسان وينتقل من إنسان إلى آخر، ولعل الخنازير تعد من أخطر الكائنات حالياً فيما يخص الانفلونزا لأنه في الخنازير تحديداً يمكن لأي نمط من أنماط الانفلونزا أن يتطور ويعطي نمطاً جديداً.

 

والنمط A هو المسؤول القطعي عن الإصابات ب “انفلونزا الطيور” ولم تسجل أي إصابة حتى الآن بالنمطين الآخرين. وأبرز الأنماط الفرعية وأخطرها هو H5N1 والذي تسبب بوفيات هامة في أعوام 2004 و2003 و 1997

والبط البري هو الطائر الأكثر نشراً له والأقل تأثراً به نظراً لوجود مناعة أقوى من باقي الطيور.

 

مقاومة فيروس انفلونزا الطيور :

باختصار الفيروس هو فيروس الشتاء، لأنه يقاوم درجات الحرارة المنخفضة إلى مدة قريبة من ثلاثة أشهر، وحتى لو كانت درجة الحرارة منخفضة جدا قد يبقى حياً لمدة شهر ، ولكن تكفي درجة الحرارة من 30 إلى 60 درجة مئوية لقتله.

والعامل الأهم في انتشار الفيروس شتاء هو ضعف المناعة والمقاومة لدى البشر بشكل عام، وميلهم في الغالب إلى تناول الأدوية والعقاقير كالمضادات الحيوية والمعروفة بهامش من الآثار الجانبية المضعفة للمناعة.

 

كيف ينتقل مرض انفلونزا الطيور : 

“انفلونزا الطيور” هو مرض تنفسي بحت، ينتقل مباشرة من إنسان إلى إنسان عبر الرذاذ، أو بشكل غير مباشر عبر استعمال الأدوات الملوثة وغيرها طبعاً وذلك في حال بقي الفيروس نشطاً وقادراً على إحداث العدوى،ووجب أن ننوه أن الإصابات ليست قطعية فنجد شخصاً تعرض للرذاذ ولم يصب وهذا يتوقف على مناعة الشخص من جهة،وعلى الجرعة المعدية من جهة أخرى.

 

ودائماً ما تختلف المراجع في هذه النقطة بعضها يقول أنه من الصعب الانتقال المباشر بين البشر و يكمن السبب الأساسي وراء هذا الاختلاف تبعاً للمنطقة الجغرافية والنمط الفيروسي السائد في تلك المنطقة.

 

أما الانتقال من الطيور إلى البشر فجميع فلا بد من وجودة قصة تماس مع الحيوان المصاب وخصوصاً من يعمل كمربي دواجن، أو من يقوم بتحضير لحوم الدجاج ونتفها،وقد يكون الانتقال سريعاً أو بطيئاً عبر تماس أطول مع الحيوان المصاب ويختلف ذلك من إنسان إلى آخر حسب قدرته على المقاومة .

 

ولم تثبت التجارب أبداً انتقال الانفلونزا عبر لحوم الدجاج أو البط المصابة، وذلك بسبب بنية الفيروس الضعيفة التي تتفكك عند درجة حرارة 60 تقريباً وهي أقل بكثير من درجة الحرارة أثناء الطهي . ومن هنا توصي منظمة الصحة العالمية بطهي اللحوم جيداً قبل تناولها بشكل عام للتقليل قدر الإمكان من الإصابة وتحسباً من حصول تغيرات وراثية قد تنتج أنواعاً جديدة تنتقل بطرق أخرى.

(مقال متعلّق)  اعراض انفلونزا الطيور

 

اعراض مرض انفلونزا الطيور :

أعراض المرض لا تختلف كثيراً عن الانفلونزا العادية التي نصاب بها كثيراً في فصل الشتاء ولكن الاختلاف الجوهري يكمن في طول فترة الأعراض، فغالباً تميل الأعراض في الانفلونزا العادية إلى أن تشفى عفوياً خلال أسبوع واحد بينما تطول في انفلونزا الطيور.

 

وتشمل الأعراض سيلاناً أنفيا مع احتقان {الاحتقان هو زيادة توسع الشعيرات الدموية مما يسبب نزح السائل منها إلى النسيج المجاور}،التهاب الملتحمة والمنطقة المحيطة بالعينين،التهاب الحلق ،الزلة التنفسية،وقد نرى آلاماًعضلية،وأعراضاً متعلقة بجهاز الهضم كالغثيان والإقياء والإسهالات،

 

وأما عن الاختلاطات الشديدة فقد تتطور الحالات إلى حالة قصور تنفسي حاد من منشأ فيروسي، وذات رئة فيروسية {يجب التأكيد على كلمة فيروسية}، وتعد هذه الاختلاطات السبب الرئيسي لمعظم الوفيات .

 

الكشف عن مرض انفلونزا الطيور :

“انفلونزا الطيور” لا يمكن تشخيصها فقط من خلال الأعراض الظاهرة على المريض، فالأعراض السريرية هنا تلعب دور موجه لإجراء الفحوصات المخبرية . و لذلك كل مريض يعاني من الأعراض السابقة و لا يستجيب للعلاج العادي ويستمر المرض لفترة أكثر من أسبوع لا بد له من مراجعة الطبيب المختص.

 

و الفحص المخبري الأساسي هو عن طريق إجراء مسحة لمخاطية الطريق التنفسي العلوي أو السفلي{حنجرة، أو بلعوم،أو قصبات} و دراستها عن طريق إما زرعها على أوساط زرعية وإما دراستها مجهرياً بمجاهر عالية الدقة أو عن طريق فحص الأضداد التي أنتجها الجسم ضد المستضد الفيروسي، والمسحة قد تعطينا فكرة عن سير المرض فقد تبين أن الأشخاص الذين دخلوا في طور الشفاء قد تراجع تواجد الفيروس في المخاطية تراجعاً كبيرأ أو حتى قد لا نراه بالفحوصات المخبرية، أما الأضداد الجسمية فقد تبقى مدة طويلة بعد الشفاء .

 

وهناك تقنيات عامة يمكن استعمالها في جميع أنواع الفيروسات كتقنية Polymerase chain reaction أو PCR أي تفاعل البوليميراز المتسلسل المعتمد على المادة الوراثية للفيروس.

 

علاج انفلونزا الطيور:

خطة العلاج تعتمد على الأدوية المضادة للفيروس وهي :

1 أمانتادين “AMANTADINE”
2 ريمانتادين “Rimantadine”
3 زاناميفير “Zanamivir”
4 أوسيلتاميفير “Oseltamivir”

 

ورغم ذلك ظهرت بعض الأنواع المقاومة لهذه الأدوية كحالات فردية في مناطق مختلفة متل أندونيسيا واليابان .

 

الوقاية من انفلونزا الطيور:

الوقاية الأساسية هي تجنب التماس المباشر مع الطيور خاصة لدى المهنيين والانتباه للأطفال الذين أيضاً معرضون عند اللعب أو العبث مع طيور يمكن الشك بإصابتها.

 

ويوجد حالياً لقاححات تعطى للمهنيين ولموظفي الرعاية الصحيةمع الطيور كعمال المداجن وغيرهم وقد أثبت اللقاح فعاليته ولكن يبقى التحدي الأكبر هو أن الحرب بين المرض من جهة واللقاحات والأدوية من جهة أخرى هي حرب مستمره.

 

وهنا يكمن دور منظمة الصحة العالمية في تعديل اللقاح سنوياً ليغطي القسم الأكبر من الفيروسات المدروسة أما عن لقاحات الانفلونزا الموسمية فلا تفي من الإصابة بفيروسات النمط A ولكنها تساعد في تخفيف شدة الأعراض والتقليل من فرص الوفيات الناجمة عن الاختلاطات. ولا بد للمصابين من استعمال كمامات واقية كنوع من الاحتياط..

(مقال متعلّق)  اعراض انفلونزا الطيور

 

قصة سريرية للتركيز على المعلومات المهمة في المقال :

مريض يدعى : ج.ل عمره:44 عاماً، الطول 170 سم والوزن 60 كغ يقيم في أحد أرياف جمهورية الصين ويعمل كمربي للدواجن ،راجع مركز الرعاية الصحية في مدينة بكين . المريض ليس مدخناً ولا كحولياً،لم يذكر أي سوابق مرضية وراثية أو جراحية سابقة .

 

ذكر المريض أنه أصيب من فترة بمرض الانفلونزا وشفي عفوياً خلال 5 أيام “هنا يقصد الانفلونزا الموسمية التي تشفى عفوياً”.

 

الشكوى الرئيسية التي زار بها مركز الرعاية كانت سعال مستمر مع احتقان وسيلان أنفي وحساسية عينية استمرت لأكثر من أسبوع بالإضافة إلى ارتفاع حرارة. وفي الفترة الأخيرة ذكر معاناته من نوب زلات تنفسية حادة مع إحساسه بالتهاب في الحلق.

 

“ليس من الضروره أن يشتكي المريض من أعراض هضمية دائماً”.

 

لقد تم التبليغ عن حالات “انفلونزا الطيور” من نفس المنطقة التي جاء الرجل منها. والآن أصبح التشخيص شبه مؤكد ولكن لا بد من الإجراءات التأكيدية .
تم فحص عينة من مسحة قصبية للمريض وتم تأكيد إيجابية الإصابة بفيروس انفلونزا الطيور “H5N1″ووضع المريض على خطه علاجية سريعة.

 

طبعاً طلب ممثلو الرعاية فحصاً سريعاً لكافة أفراد الأسرة و للطيور في المدجنة التي يعمل الرجل فيها.
بعد شهر تقريباً تمت إعادة المسحة القصبية للفحص لمراقبة الحالة وتبين أن المريض قطع شوطاً طويلاً في طور الشفاء.

 

ملاحظة عن القصة المرضية :

من المهم عند الشك بعداوى فيروسية أو جرثومية السؤال عن السوابق الجراحية وخاصة التي أجريت في وقت قريب من ظهور الأعراض لأن الأدوات الحادة المستخدمة خلال العملية تعد وسلية هامة للعدوى وذلك عند عدم الالتزام بشروط التعقيم المثالية .

 

السبب الثاني هي أن الجروح التي لم تشف تماماً هي نقطة ضعف فقد تكون بؤرة لدخول الميكروبات بأنواعها .

 

معلومات عن اسماء الانفلونزا مثل H1N1 أو H5N1 

فمن أين جاءت هذه الأسماء ؟

 

الاسماء مقتبسة من المستضدات السطحية (H & N) الموجودة على سطح الفيروس، والتي يستجيب الجهاز المناعي ضدها يشدة، وحسب التغيرات التي
تطرأ على المادة الوراثية فإن هذه المستضدات السطحة تتغير باستمرار سواء أكان التغير تبدلاً أوانحرافاً،

 

وعليه يقوم مبدأ التلقيح، والطفرات التي تغير من البنية السطحية تشكل التحدي الرئيسي الذي يواجه منظمة الصحة العالمية سنوياً.

 

فالفيروس لدية مستضدان رئيسيان هما H و N

الH هيموغلوتاتين .
الN خميرة نيوروأمينيداز.

 

ويوجد 16 نوعاً معروفاً من المستضد H و9 أنواع من المستضد N وجميع الأنواع قادرة على الإمراض ولكن الاختلاف بينها هوي في شدة المرض .

 

المراجع:

  1. webmd
  2. nejm.org
  3. cdc.gov